يخطئ الكثير في بلادنا بظنّه أن حرية التعبير مقيدة باحترام جميع الآراء والتوجهات وعدم المس بها، ولا سيما الافكار والرموز الدينية. الا أن الحق في حرية التعبير، الذي أقرته الامم المتحدة في “المادة 19” من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يشمل الحق في نقد اي رأي او ‘فكرة’ مهما كان مصدرها، بما يتضمنه ذلك من نقد علمي أو أدبي و فنّي وباستخدام اي وسيلة كانت، جادةً رصينةً او ساخرةً هزلية. و تؤكد منظمة العفو الدولية في أحد بياناتها ان “حرية الكلام أو حرية التعبير، تنطبق على الأفكار من أي نوع، بما فيها تلك التي قد تُعتبر مسيئة جداً” و أن الاستثناء الوحيد هو خطاب الكراهية والخطاب التحريضي.
يجد الكثيرون في مجتمعاتنا ان انتقاد الاديان هو امرٌ غريب وغير جائز، وسبب ذلك أن الأديان في بلادنا قد مُنحت امتيازات خاصة نتيجة نشأتنا في بيئة تقدسها وتعتبرها مصونة من الاستهزاء أو حتى النقد، لكننا غالباً ما ننسى أن الأديان والرموز الدينية ما هي إلا ‘أفكار’ من نوع آخر، وأن الحصانة التي تمتلكها والقدسية التي نسبت إليها هي بكل بساطة نتيجة مباشرة للحكم الديني وتدخل السلطات الدينية بتشريع القوانين وسنّها. لذلك لا نجد أي قوانين تجرم المس بالأديان في أي دولة مدنية لا تملي عليها السلطات الدينية قوانينها.
يقر الدستور اللبناني في الفقرة “ب” من مقدمته بأن “لبنان هو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربیة وملتزم مواثیقها، كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثیقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتجسد الدولة هذه المبادئ في جمیع الحقوق والمجالات دون استثناء”. غير ان قانون العقوبات اللبناني يفرض عقوبات مادية ومعنوية على الاشخاص لاساءتهم للمعتقدات والشعائر الدينية، إن كان عبر نقدها أو الاستهزاء بها مخالفاً بذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بل وحتى مقدمة دستوره.
تقديس الأفكار هو خيار شخصي بامتياز فما يجده شخص ما مقدساً، قد يجده آخر مضحكاً أو مثيراً للشفقة. ولا يخفى أن النصوص الدينية نفسها تحقّر بعضها البعض، إذ يعتبر الاسلام أنه “قَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ” ( سورة المائدة الآية 72 القرآن) بينما يذكر انجيل متى في الاصحاح 24 القول 11 انه (ويقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرين) بما يُدخل نبي الإسلام ضمن فئة الانبياء الكذبة. لكننا اعتدنا على غض النظر عن ذلك تحت عناوين الحفاظ على السلم الاهلي وتجنب الفتنة. الا انه وعند اي تفلت تطفو الخلافات الى السطح لتنتج صراعات وحروب ثقافية واجتماعية بل ومسلحة بين ابناء الشعب الواحد لاسيما بين ابناء الدين الواحد نفسه بطوائفه المتعددة تحت عنوان الدفاع عن المقدسات.
ان وجدت نفسك مستاءً أو مُستفَزاً من نقدٍ مسّ بمقدساتك، تذكر انك تعتدي على مقدسات الهندوس يومياً عبر أكل البقر المقدس عندهم، وهو ما يسيئ للمنتمين لهذه الديانة الذين لطالما عبروا عن ذلك عبر الاحتجاجات وحتى الجرائم اللتي يرتكبها الهندوس في الهند وغيرها، لذا فالحل ليس بتغيير ومعاقبة كل من لا يؤمن بقدسية افكارك ومقدساتك، بل بتغيير كيفية تلقيك للرسالة، والعمل على تقبل النقد، فذلك هو ثمن الديمقراطية.
_________________________________________________________________
لأغراض مرجعية
• المادة ١٨ من الاعلان العالمي لحقوق الانسان:
لكلِّ شخص حقٌّ في حرِّية الفكر والوجدان والدِّين، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في تغيير دينه أو معتقده، وحرِّيته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبُّد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة.
• المادة ١٩ من الاعلان العالمي لحقوق الانسان:
لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود.
• من بيان منظمة العفو الدولية حول حرية التعبير:
إن حرية الكلام أو حرية التعبير، تنطبق على الأفكار من أي نوع، بما فيها تلك التي قد تُعتبر مسيئة جداً. وفي الوقت الذي يوفر فيه القانون الدولي الحماية لحرية الكلام، ثمة حالات يجوز فيها تقييد حرية الكلام بشكل مشروع بموجب القانون نفسه- من قبيل الحالات التي تُنتهك فيها حقوق الآخرين، أو تدعو إلى الكراهية وتحرِّض على التمييز أو العنف.
• الفقرة “ب” من مقدمة الدستور اللبناني:
لبنان عربي الهویة والانتماء وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربیة وملتزم مواثیقها، كما هو عضو مؤسس و عامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثیقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتجسد الدولة هذه المبادئ في جمیع الحقوق والمجالات دون استثناء.
• الخطة الوطنية لحقوق الانسان:
صادرة عن مجلس النواب اللبناني و الامم المتنحدة بتاريخ 20 تشرين الثاني 2008 ص 17
ان الدســتور اللبناني كان، قبل إضافة المقدمــة إليه، يكفل جملة من الحريات الاساســية؛ الا أن التعديل الدستوري الحاصل بتاريخ 21/9/1990 جعله يصل إلى ما هو أبعد من ذلك فهو يكرس إلتزام لبنان الدستوري بالصكوك الدولية العميمة حول حقوق الانسان… مؤكداً تبنيه إياها مثال تحقيق مشتركا لجميع الشــعوب ولجميع الامم وإســتعداده لتعزيز إحترام هذه الحقوق والحريات على أرضه وتأمين الاعتراف والتقيد الفعليين بها للجميع دون أي متييز، عىل ما تقوله ديباجة االاعلان العميم. والاهم أن لبنان يلتزم،في مجال إنفاذ حقوق الانسان هذه، بأن يصبح قابلا لمساءلة الاسرة الدولية
Disclaimer: The views and opinions expressed in this article are those of the author(s) and do not necessarily reflect the policy or position of the site administration and/or other contributors to this site.